Page 26 - Book final 1march
P. 26

‫صيغ التعامل مع العنف الإرهابي الذي كان المجرم السياسي فيه هو‬                                                            ‫العدد الثاني ‪ -‬السنة الأولى أذار ‪2017‬‬
                                     ‫العدو الإرهابي الأول ‪.‬‬
                                                                                                       ‫قبل الميلاد في بلاد الرافدين‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ حضارة بلاد الرافدين‪:‬ـ وجدت إشارات تعود إلى منتصف الألف‬           ‫تذكر كتب الأديان السماوية (اليهودية والنصرانية والإسلام)‪ ،‬منذ خلق‬
‫الثالث قبل الميلاد تدل على أن عدو الدولة مهما كان نوع عدوانه خارجيا‬  ‫الله آدم عليه السلام‪ ،‬ما كان من أمر قابيل وأخيه هابيل‪ ،‬حيث توعد‬
‫أو داخليا هو إرهابي في المعنى الحديث للكلمة مادام يسعى إلى زعزعة‬     ‫قابيل أخاه بالوعيد والتهديد والإرهاب والقتل‪ ،‬ومثل هكذا فعل قَ َّد َم مثالا‬
‫الاستقرار السياسي للدولة ‪ ،‬ومشاهد اعتقال واسر وقتل الأعداء كثير في‬   ‫للجريمة بين الناس عندما أرهب إنسان أخاه الإنسان‪ .‬ومرد‪ º‬هذا العنف‬
‫المنحوتات الأكدية(‪ ،)7‬ومن بين اهم المنحوتات مسلة للملك نرام سين‬      ‫يكمن في طبيعة الإنسان نفسه وذلك في اختلاف نوازعه وأهوائه وطرق‬
‫الأكدي حفيد مؤسس السلالة الأكدية (‪ 2371‬ـ ‪ 2316‬ق‪.‬م)‪ ،‬تمثل الملك‬       ‫تفكيره‪ .‬وبتك ّون الجماعات البشرية الأولى مع بداية الخليقة كان هناك‬
                                                                     ‫من يعيثون في الأرض فسادا وعنفا ضد غيرهم بمختلف الوسائل المتاحة‬
               ‫وهو يطأ بقدمه جثث من يعارض دولته بالتقتيل ‪.‬‬           ‫لديهم‪ ،‬وقد صور لنا القرآن الكريم‪ ،‬الخوف الذي تملك الملائكة عندما‬
‫المسلة الحجرية المعروفة بمسلة النصر او مسلة نرام سين ‪ ،‬متحف‬          ‫جعل الله خليفة في الأرض من بني البشر‪ ،‬لأن ذلك الإنسان في نظرهم‬
‫اللوفرـ باريس ‪ .‬نقلا عن ‪ :‬اندري بارو ‪ ،‬سومر فنونها وحضارتها ‪ ،‬بغداد‬  ‫يفسد ويسفك الدماء‪ ،‬وهذه هي أعنف أعمال الإرهاب‪ ،‬قال تعالى‪َ « :‬و ِإ ْذ‬
                                                                     ‫قَا َل َربُّ َك لِلْ َملاَئِ َك ِة ِإنيِّ َجا ِع ٌل ِيف الأَ ْر ِض َخ ِلي َف ًة قَالُواْ أَتَ ْج َع ُل ِفي َها َمن يُ ْف ِس ُد‬
                                         ‫‪ ،1979‬ص‪.229‬‬                 ‫ِفي َها َويَ ْس ِف ُك ال ِّد َماء َونَ ْح ُن نُ َسبِّ ُح ِب َح ْم ِد َك َونُ َق ِّد ُس لَ َك قَا َل ِإنيِّ أَ ْعلَ ُم َما ل َا‬
‫وكانت الحروب الدائرة خارج بلاد آشور ضد أعداء الدولة لا تستثني‬
‫أحداً‪ ،‬فجميع سكان المدن الثائرة عرضة للقتل‪ ،‬وأحيانا كان الرق من‬                                                  ‫تَ ْعلَ ُمو َن»‪)4(.‬‬
                                                                     ‫ويندرج ضمن نزعة البشر وميلهم للعنف في تحقيق أهدافهم ما كان من‬
                    ‫نصيب من يأسر منهم فـيساقون كعبيد‪)8(.‬‬             ‫مبدأ «البقاء للأقوى» في المجتمعات البدائية‪ ،‬والذي نجم عنه بموجب‬
‫‪ 2‬ـ الدولة المصرية القديمة‪:‬ـ عرفت مصر جريمة الإرهاب منذ أيام‬
‫المملكة القديمة وفي عصر الملك رمسيس الثالث (‪1198‬ق‪.‬م)‪ ،‬تاتي‬                      ‫تطور هذه المجتمعات‪ ،‬الحاجة إلى تولي زعيم للمجموعة ‪.‬‬
‫الشواهد على اعمال العنف المتمثلة بمحاولات الاغتيال وجرائم ارهاب‬      ‫أو القبيلة في حالة تعرضها للعنف أو الغزو ‪ ،‬ثم ان تلك المجتمعات ابدلت‬
‫السلطة ‪ ،‬وسميت تلك الجريمة بجريمة المرهبين أي الذين تطاولوا على‬      ‫العنف بقيام الحرب‪ ،‬ويبقى هذا الزعيم هو الشخص الأكثر قوة وعنفا‬
‫رأس السلطة الحاكمة في محاولة لاغتياله‪ ،‬وعرفت بمؤامرة «الحريم‬         ‫حتى تعهد اليه مهمة قتل الأعداء ‪ ،‬ثم برزت الحاجة الى ان يسند اليه‬
‫الكبرى» والتي كشفها الملك نفسه‪ ،‬وأصدر أمرا بمعاقبة الجناة حتى وان‬    ‫القتل من أجل السلب والنهب‪ ،‬وهو بذلك يكسب احترام أفراد قبيلته أو‬
‫كانوا من عائلته أي ابنه وزوجته وعدد من ضباط حرسه‪ ،‬جاء فيه ‪« :‬‬
‫تتخذ الإجراءات ضد هؤلاء مرهبي الدنيا بأجمعها‪ ،...‬وان يحضر هؤلاء‬                           ‫عشيرته كما أنهم يخضعون له ولسلطانه(‪.)5‬‬
‫المجرمون أياً كانوا أمام القضاة‪ ، ،‬واني أضع هؤلاء المجرمين أمام خزي‬  ‫ثم أصبح التوجه نحو ردع أعمال المفسدين في الأرض والذين يقومون‬
                                                                     ‫بأعمال إجرامية‪ ،‬من الأمور المحبذة في المجتمع الإنساني‪ ،‬بل أوصت بها‬
                                      ‫الدنيا بأجمعها»‪)9(.‬‬            ‫الشرائع والأديان السماوية‪ ،‬وبما يمكننا أن نمثله بالتصدي للعنف الإرهابي‬
‫والى جانب الدوافع الإرهابية السياسية على الحكم في مصر القديمة‬        ‫ومكافحته‪ ،‬ولعل قصة التوجه الإلهي بضرورة التصدي للشر والعنف‪ ،‬كان‬
‫وأيام الدولة الوسطى والحديثة وخلال فترة حكم البطالمة بمصر منذ‬        ‫محور الصراع الذي دارت رحاه بين نبي الله داوود عليه السلام‪ ،‬والطاغية‬

                                                                                       ‫جالوت الذي أشاع الفتن وقتل الناس‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
                                                                     ‫« َولَ اَّم بَ َر ُزواْ لِ َجالُو َت َو ُج ُنو ِد ِه قَالُواْ َربَّ َنا أَفْ ِر ْغ َعلَيْ َنا َص ْرباً َوثَ ّبِ ْت أَقْ َدا َم َنا‬
                                                                     ‫َوانصرُ ْنَا َعلىَ الْ َق ْو ِم الْ َكا ِف ِري َن فَ َه َز ُمو ُهم ِب ِإ ْذ ِن اللّ ِه َوقَتَ َل َدا ُوو ُد َجالُو َت َوآتَا ُه‬
                                                                     ‫اللّ ُه الْ ُملْ َك َوالْ ِح ْك َم َة َو َعلَّ َم ُه ِم اَّم يَ َشا ُء َولَ ْولاَ َدفْ ُع اللّ ِه ال َّنا َس بَ ْع َض ُه ْم ِب َب ْع ٍض‬

                                                                                  ‫لَّ َف َس َد ِت الأَ ْر ُض َولَـ ِك َّن اللّ َه ُذو فَ ْض ٍل َعلىَ الْ َعالَ ِمي َن «‪)6(.‬‬
                                                                     ‫إن كان هذا هو نصيب البشرية من عصور التاريخ الأولى في شيوع صور‬
                                                                     ‫الإرهاب المتمثل بالشر والعنف‪ ،‬وهذا هو دور الحكام في مواجهته‪ ،‬فليس‬
                                                                     ‫أمامنا إلا التصديق بوجود جذور للعنف والإرهاب وان اختلفت صوره‬

                                                                       ‫وأشكاله ووسائله باختلاف الأزمنة والأمكنة أينما وجد حاكم ومحكوم‪.‬‬

                                                                        ‫ثانيا – العنف الإرهابي في الحضارات المدنية القديمة‪:‬‬

                                                                     ‫مع نشوء المدن وقيام نظم السلطة السياسية‪ ،‬أصبح لكل مجتمع أو دويلة‬
                                                                     ‫حكومة مركزية يقع في أعلى هرمها ما يعرف بالملك أو الفرعون أو الأمير‬
                                                                     ‫أو الحاكم‪ ،‬وبيده مقاليد السلطة الدينية والدنيوية باعتباره خليفة الآلهة‬
                                                                     ‫ووكيلها الشرعي‪ ،‬وذلك في أقدم الحكومات تحضرا في بلاد الرافدين والنيل‬
                                                                     ‫ودويلات المدن اليونانية وعند الرومان على حد السواء‪ ،‬مع اختلاف في‬

                                                                                                                                                                                                              ‫‪26‬‬
   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31