Page 33 - Book final 1march
P. 33

‫العدد الثاني ‪ -‬السنة الأولى أذار ‪2017‬‬

                                              ‫الدكتور عبد الحميد كاظم‬

                                           ‫وا�ضع �أ�س�س نه�ضة التربية والتعليم فـي العراق‬

                                ‫الأستاذ الدكتور خالد عبدالحميد الخطيب‬

                                                                                                 ‫المقدمة‬
                                ‫لقد كان للأسس التربوية القويمة التي قامت على مبادئ العروبة والإسلام في الأربعينات‬
                                ‫والخمسينات والستينات من القرن الماضي أبلغ الأثر في تنشئة جيل من الشباب الواعي‬
                                ‫المضطلع بواجباته القومية والأخلاقية ما جعلته يحقق أروع الإنجازات التي أبهرت الأعداء‬
                                ‫والأصدقاء على حد سواء ووضعت العراق على مسار العالم المتقدم بخطى سريعة متجاوزا كل‬
                                ‫الصعوبات والعراقيل التي كانت توضع في طريق تقدمه حتى أورقت وأزهرت البراعم التي‬
                                ‫سقتها الأيادي التربوية المخلصة وتفتقت عن خطط تنموية تناولت مختلف نواحي الحياة‬
                                ‫من علمية وفكرية واجتماعية وسياسية وعسكرية مصحوبة بإنجازات تكنولوجية تعجز عنها‬

                                                     ‫جميع الدول النامية ولا نبالغ إذا قلنا حتى بعض الدول المتقدمة‪.‬‬
    ‫اليوم نتناول قامة شامخة هي القامة الأولى من قامات التربية والتعليم في العراق ذلك المنهل الذي استقت منه تلك الأجيال المثل‬
    ‫والقيم العليا حتى برعت في العطاء والتضحية فكانت العلماء والأدباء والمهندسين والأطباء‪ .‬ولم تثنهم صعوبة الحياة وجسامة‬
    ‫التحديات والتضحيات حتى تكالبت على العراق كل قوى العالم الحاقدة‪ ،‬فكان منهم من طالته الأيادي الآثمة‪ ،‬أيادي الغدر والخيانة‪،‬‬
    ‫حتى صدق عليهم قول الله جل وعلا «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما‬
    ‫بدلوا تبديلا – صدق الله العظيم» فكان الصرح العلمي للعراق من تلك اللبنات التي أرسى قواعدها الدكتور التربوي عبدالحميد‬
    ‫كاظم بما قدمه من أفكار ومبادئ وخطط لتنمية التعليم والتعليم الجماهيري‪ ،‬وأما محوالأمية فقد كان هدفا كبيرا يسعى إليه منذ‬
    ‫بداياته في سلك التربية والتعليم حيث أدرك في سن مبكرة أن الآفات الثلاث التي كانت تنخر كيان المجتمع العراقي هي الجهل‬
    ‫والفقر والمرض‪ ،‬والأمية على رأس الجهل‪ .‬فلما سافر الى الولايات المتحدة الامريكية عام ‪ 1945‬لإكمال دراسة الدكتوراه في الفلسفة في‬
    ‫جامعة كولومبيا كانت أطروحته الموسومة (خطة اعادة تنظيم اعداد المعلمين في العراق) والتي أنجزها في العام ‪ 1947‬خير دليل على‬
    ‫اهتمامه بهذا الجانب من التربية والتعليم‪ ،‬تلك الخطط التي آتت أكلها بعد حين بالقضاء على الأمية حتى قاربت نسبة المتعلمين من‬
    ‫الشعب العراقي ‪ %100‬بشهادة المنظمات الدولية‪ .‬ويكفي القارئ مثلا بسيطا ليحكم علي عمق أفكار الدكتور عبدالحميد كاظم من‬
    ‫خلال الاطلاع على ما اشتملت عليه كتب القراءة لمراحل التمدرس الأولى التي عنيت عناية خاصة في تكوين الشخصية بما يتناسب‬
    ‫مع المرحلة العمرية التي يمر بها التلميذ‪ ،‬تلك المرحلة التي تبدأ بسن السابعة وهي المرحلة الفاصلة لتكوين الأسس التي تقوم عليها‬

                                     ‫الشخصيه القويمة‪ ،‬السن التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليم الأبناء الصلاة‪.‬‬
    ‫وعلى الرغم من اهتمام الدولة العراقية منذ نشأتها الأولى بالتربية والتعليم حيث عمل الملك فيصل الأول معلما في المدرسة المأمونية‬
    ‫وقال قولته الشهيرة «لو لم أكن ملكا لكنت معلما» إلا أن النظام التعليمي في معظمه كان مبني على مخلفات عهود من التخلف تقوم‬
    ‫على اسس بالية وهي الكتاتيب (المُلا) ومع تخلفها فقد كانت قليلة وتعتمد الأسلوب الأعجمي في التلقين فكانت الفتحة تسمى زبرة‬
    ‫والكسرة تسمى زيرة والضمة تسمى بيشة (بالباء الأعجمية) وأما اسلوب تعليم القراءة فيقوم على التهجي والروان‪ .‬كان الملا يجلس‬
    ‫على الأرض وأمامه التلاميذ ومن يعصي منهم كان يتلقى اسلوب التأديب الذي يقوم على الزوبة والفلقة‪ .‬ومنذ نهاية الأربعينات من‬

                     ‫القرن الماضي بدأت المدارس الحديثة بتأدية دورها الريادي في بناء مجتمع حديث يقوم على العلم والمعرفة‪.‬‬
    ‫وبعد أن تمت صياغة تلك الأسس التربوية من قبل الدكتور عبدالحميد كاظم‪ ،‬كان لابد من وضعها موضع التنفيذ فجاءت مشاركة‬
    ‫العلامة محمد بهجة الأثري الشخصية المتميزة التي تم الحديث عنها في العدد الأول لهذه المجلة‪ .‬فكانت مشاركة رائعة ومكملة‬
    ‫للجهد الكبير حيث الإختيار الرصين لمواضيع تثقيف النشء الجديد وفق صياغة تناولت الإعداد السيكولوجي الممنهج للأسس المكونة‬
    ‫للشخصية العراقية المبدعة بالاستفادة من الإرث الحضاري للأمة الذي يمتد عبر آلآف السنين تشكلت عبره أجيال ذات نزعة تميزت‬
    ‫بالروح الوثابة المتطلعة الى نور العلم والمعرفة مصقولة بالشيم والقيم العربية الأصيلة ومبادئ الاسلام الحنيف بروحية متميزة‬

                                                                              ‫بجمال الخلق والأخلاق الحميدة‪.‬‬

‫‪33‬‬
   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38