Page 39 - Book final 1march
P. 39

‫العدد الثاني ‪ -‬السنة الأولى أذار ‪2017‬‬

    ‫واقع الم ؤ��س�سة التربوية فــي العراق‬

    ‫الم�شــــاكل‪ ،‬وال�صعوبــــات‪ ،‬والحلــــول المقـتــــرحة‬
    ‫م‪.‬م‪ .‬أحمد وادي السامرائي ‪ -‬المديرية العامة لتربية صلاح الدين‬

                                                                                                   ‫مقدمة ‪:‬‬
                                                                                                ‫﴿ ِب ْس ِم الل ِه ال َّر ْحم ِن ال َّر ِحي ِم﴾‬
                                                                                ‫(قُ ْل َه ْل يَ ْستَ ِوي الَّ ِذي َن يَ ْعلَ ُمو َن َوالَّ ِذي َن لاَ يَ ْعلَ ُمو َن إِنمَّ َا يَتَ َذكَّ ُر أُولُو ا ْألَلْبَا ِب)‬
                                                                                ‫[سورة الزمر ‪.]9 :‬‬

                                                                                ‫إن الحديث عن أهمية العلم والتعلم حديث طويل‪ ،‬فمنذ بزوغ فجر‬

                                                                                ‫الإنسانية كان للتعليم أهميته ‪ ،‬ومما لا يخفى على أحد‪ ،‬فالتعليم هو‬

                                                                                ‫المح ّرك الحقيقي والحيوي لمختلف مجالات الحياة‪ ،‬فهو الضرور ًة القصوى‬
                                                                                ‫لتنمية الحياة بمختلف مساراتها السياسية‪ ،‬والاقتصاديّة‪ ،‬والعسكرية‪،‬‬
                                                                                ‫والاجتماعيّة‪ ،‬والحيويّة الأخرى‪ ،‬فما التق ّدم التكنولوجي الاقتصادي إلاّ ثمرة‬
                                                                                ‫العلم والتعليم‪ ،‬والدول كلها التي بات معروفاً عنها أنّها (دول متقدمة)‬

                                                                                ‫هي دول تعتني بالتعليم‪ ،‬وما تق ّدمها إلاّ صنيعة التعليم؛ فالتعليم أولويتها‬

                                                                                ‫القصوى قبل برامج ال ّدفاع والطاقة وغيرهما‪ .‬لذلك خضع التعليم اليوم‬

    ‫من أجل إنجاح تلك الخطط‪ ،‬فبعض المشاكل بحاجة إلى تداخل جراحي‬                  ‫لتط ّورات كثيرة‪ ،‬إذ صار للتغيرّ ات على النطاق العالمي أثر على التعليم ‪،‬‬
    ‫سريع ‪ ،‬وأخرى بحاجة إلى متابعة سريرية مركزة إذ يجب وضع حلول بمراحل‬           ‫وقد بلغ ذروة مبتغاه في عدة دول‪ ،‬منها العراق‪ ،‬فقبل سنوات قليلة كانت‬
    ‫متوسطة وبعيدة المدى والأهم من ذلك وضع معايير لقياس وتقويم مدى‬
                                                                                                              ‫نسبة الأميّة فيه تبلغ ‪ %0‬تقريباً‪.‬‬
        ‫نجاح كل مرحلة مع وضع أسس عمل واضحة لتقويم المراحل المتلكئة‪.‬‬             ‫لكن الناظر اليوم إلى حال التعليم في بلدنا العزيز يرى بوضوح تخلفنا‬
    ‫إن الكثير من الدول النامية نهضت من كبواتها بعد مراجعتها لأنظمة التعليم‬      ‫عن الأمم الأخرى ووقوعنا في نهاية الطابور‪ ،‬والسبب الرئيس في ذلك هو‬
    ‫و فرض معايير صارمة لجودته كما حصل في كوريا الجنوبية‪ ،‬وسنغافورة‪،‬‬             ‫عدم أخذنا بأسباب التحضر‪ ،‬والتقدم‪ ،‬والرقي‪ ،‬وأساس ذلك كله هو انعدام‬
    ‫وماليزيا‪ ،‬وبلدان أخرى في شرق آسيا‪ ،‬لتنطلق نحو النمو والتطور بسرعة البرق‬
    ‫بعد فرض تلك المراجعات على مؤسسة التربية والتعليم‪ ،‬إذ إن الفارق بين‬                                              ‫عنايتنا بالعلم والتعليم‪.‬‬
    ‫جودة التعليم في بلدنا بصورة عامة ومدينتنا بصورة خاصة وأي من بلدان‬           ‫إن التعليم في بلدنا العزيز عاش طوال السنوات الماضية انتكاسات‬
                                                                                ‫وتراجعات مستمرة ولايزال متدنياَ جداً من حيث النوعية والجودة‪،‬‬
        ‫شرق أسيا هائل جداً ويدعو للفزع والدهشة‪ ،‬هذا على مستوى البلاد ‪.‬‬          ‫فأبسط تعريف للتعليم هو تغيير في السلوك ثابت نسبياً ناتج عن ممارسة‬
    ‫أما إذا أردنا مقارنة واقع التعليم عندنا بأوروبا أو البلدان الصناعية عموماً‬  ‫أو خبرة‪ ،‬مما يفترض أن تكون مخرجات هذا التغيير الايجابي الثابت في‬
    ‫فليس هناك وجه للمقارنة أو أن المقارنة في هذا الموضع كافرة فعلاً‪ .‬وهنا‬       ‫السلوك واقعاً ملموساً في المجتمع من خلال أدنى فرص التعامل والاحتكاك‬
     ‫يجب البحث بعمق عن أسباب هذا الوضع المتدني لنوعية وكيفية التعليم‪.‬‬           ‫بالأخرين‪ ،‬لكن واقع المجتمع اليوم يعيش وبنسبة كبيرة أمية علمية‬
    ‫إذ حينما نجح السوفيت في إرسال (يوري غاغارين) وتمكن من الطيران‬
    ‫إلى الفضاء الخارجي والدوران حول الأرض في ‪-12‬أبريل ‪ 1961 -‬على متن‬                       ‫معرفية‪ ،‬وأما الحديث عن الأمية الفكرية فحدث ولاحرج‪.‬‬
    ‫مركبة الفضاء السوفيتية (فوستوك‪ .)1‬صعق الأمريكان من تلك الرحلة على‬           ‫وارهاصات ما تقدم كله تجلت بشكل واضح في الشارع عبر تكون ثقافة‬
    ‫الرغم من التطور الهائل الذي كانت تعيشه الولايات المتحدة في تلك الحقبة‬       ‫سلبية جمعية‪ ،‬أعلى درجاتها هي الجرأة المريعة على خرق القوانين‬
    ‫وتسجيلها قدم السبق عالمياً في شتى المجالات‪ ،‬وأول ما قاموا به هو مراجعة‬      ‫والنظم الدستورية للبلد وأدناها التراجع الهائل في مستوى الذوق العام‪،‬‬
    ‫المناهج التعليمية وخرجوا بدراسة أسموها (امة مهددة بالزوال) فقط لأن‬          ‫وخفوت لغة المخاطبة المؤسساتية المحترمة لدى الجهاز الحكومي بصورة‬
    ‫السوفيت سبقوهم بالطيران إلى الفضاء الخارجي والدوارن حول الأرض‪،‬‬
    ‫فكيف الحال بنا إذ أصبحت مؤسساتنا التربوية والتعليمية تنوء بحمل الجهل‬                                                         ‫عامة‪.‬‬
    ‫العلمي والمعرفي واللغوي والذوقي بصورة عامة وانعكاس ذلك وبصورة‬               ‫باختصار مؤلم يمكننا القول إن العملية التربوية في العراق تحتضر في‬
    ‫واضحة على طبيعة التعامل في المجتمع مسببة كنتيجة حتمية لانخفاض‬               ‫هدفها العميق ألا وهو إحداث عملية التعلم‪ .‬ولأجل بث الروح من جديد‬
                                                                                ‫في عملية البناء العلمي المعرفي والسلوكي للطالب يجب أن تزرع بداخله‬
                                 ‫مستوى الذوق العام بشكل مخيف‪.‬‬
    ‫ومما جاء في التقرير من العبارات البليغة ‪ « :‬أنه لأول مرة في مسيرة التعليم‬                   ‫الثقة بأن مؤسسة التربية والتعليم تعمل من أجله‪.‬‬
                                                                                ‫إن إعادة الروح إلى عمق العملية التربوية بحاجة إلى تشخيص دقيق‬
                                                                                ‫ووضع خطط مدروسة للحلول المقترحة مع وضع استراتيجية قابلة للتنفيذ‬

‫‪39‬‬
   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44